سورة النساء - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله: {بئاياتنا} الظاهر عدم تخصيص بعض الآيات دون بعض، و{سَوْفَ} كلمة تذكر للتهديد قاله سيبويه. وينوب عنها السين.
وقد تقدّم معنى نصلي في أوّل السورة. والمراد: ندخلهم ناراً عظيمة. وقرأ حميد بن قيس {نَصْلِيهِمْ} بفتح النون. قوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} يقال: نضج الشيء نضجاً ونضاجاً، ونضج اللحم، وفلان نضج الرأي، أي: محكمه. والمعنى: أنها كلما احترقت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها، أي: أعطاهم مكان كل جلد محترق جلداً آخر غير محترق، فإن ذلك أبلغ في العذاب للشخص؛ لأن إحساسه لعمل النار في الجلد الذي لم يحترق أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحتر. وقيل: المراد بالجلود: السرابيل التي ذكرها في قوله: {سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50] ولا موجب لترك المعنى الحقيقي ها هنا، وإن جاز إطلاق الجلود على السرابيل مجازاً، كما في قول الشاعر:
كسا اللوم تيما خضرة في جلودها *** فويل لتيم من سرابيلها الخضر
وقيل: المعنى: أعدنا الجلد الأوّل جديداً، ويأبى ذلك معنى التبديل. قوله: {لِيَذُوقُواْ العذاب} أي: ليحصل لهم الذوق الكامل بذلك التبديل. وقيل: معناه: ليدوم لهم العذاب، ولا ينقطع، ثم أتبع وصف حال الكفار بوصف حال المؤمنين.
وقد تقدّم تفسير الجنات التي تجري من تحتها الأنهار.
قوله: {لَّهُمْ فِيهَا أزواج مُّطَهَّرَةٌ} أي: من الأدناس التي تكون في نساء الدنيا، والظل الظليل الكثيف الذي لا يدخله ما يدخل ظل الدنيا من الحرّ، والسموم، ونحو ذلك، وقيل: هو مجموع ظلّ الأشجار، والقصور. وقيل: الظلّ الظليل: هو الدائم الذي لا يزول، واشتقاق الصفة من لفظ الموصوف للمبالغة، كما يقال: ليل أليل.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر في قوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} قال: إذا احترقت جلودهم بدّلناهم جلوداً بيضاء أمثال القراطيس.
وأخرج ابن أبي حاتم، والطبراني عنه بسند ضعيف قال: قرئ عند عمر: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} الآية، فقال معاذ: عندي تفسيرها تبدّل في ساعة مائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه أن القائل كعب، وأنه قال: تبدّل في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود أن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعاً.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الربيع بن أنس في قوله: {ظِلاًّ ظَلِيلاً} قال: هو ظل العرش الذي لا يزول.


هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع؛ لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات، وقد روي عن علي، وزيد بن أسلم، وشهر بن حوشب أنها خطاب لولاة المسلمين، والأوّل أظهر، وورودها على سبب، كما سيأتي، لا ينافي ما فيها من العموم، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما تقرر في الأصول، وتدخل الولاة في هذا الخطاب دخولاً أوّليا، فيجب عليهم تأدية ما لديهم من الأمانات، وردّ الظلامات، وتحرّي العدل في أحكامهم، ويدخل غيرهم من الناس في الخطاب، فيجب عليهم ردّ ما لديهم من الأمانات، والتحري في الشهادات والأخبار. وممن قال بعموم هذا الخطاب: البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبيّ بن كعب، واختاره جمهور المفسرين، ومنهم ابن جرير، وأجمعوا على أن الأمانات مردودة إلى أربابها: الأبرار منهم والفجار، كما قال ابن المنذر. والأمانات جمع أمانة، وهي: مصدر بمعنى المفعول.
قوله: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ الناس أَن تَحْكُمُواْ بالعدل} أي: وإن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. والعدل: هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا الحكم بالرأي المجرد، فإن ذلك ليس من الحق في شيء، إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله، فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه، وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص، وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله، ولا بما هو أقرب إليهما، فهو لا يدري ما هو العدل؛ لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته، فضلاً عن أن يحكم بها بين عباد الله. قوله: {نِعِمَّا} {ما} موصوفة أو موصولة، وقد قدّمنا البحث في مثل ذلك.
وقد أخرج ابن مردويه، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، وقبض مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة، فنزل جبريل عليه السلام بردّ المفتاح، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن طلحة، وردّه إليه، وقرأ هذه الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن عساكر، عن ابن جريج: أن هذه الآية نزلت في عثمان بن طلحة لما قبض منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، فدعاه، ودفعه إليه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة، عن علي قال: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك، فحقّ على الناس أن يسمعوا له، وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دعوا.
وأخرج أبو داود، والترمذي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أدّ الأمانة لمن ائتمنك، ولا تخن من خانك» وقد ثبت في الصحيح أن من خان إذا اؤتمن، ففيه خصلة من خصال النفاق.


لما أمر سبحانه القضاة، والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق، أمر الناس بطاعتهم ها هنا، وطاعة الله عزّ وجلّ هي امتثال أوامره ونواهيه، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هي فيما أمر به ونهى عنه. وأولي الأمر هم: الأئمة، والسلاطين، والقضاة، وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية، والمراد: طاعتهم فيما يأمرون به، وينهون عنه ما لم تكن معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال جابر بن عبد الله، ومجاهد: إن أولي الأمر، هم: أهل القرآن والعلم، وبه قال مالك والضحاك.
وروي عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن كيسان: هم أهل العقل والرأي، والراجح القول الأوّل.
قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَئ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} المنازعة المجاذبة، والنزع: الجذب، كأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويجذبها، والمراد: الاختلاف، والمجادلة، وظاهر قوله: {فِي شَئ} يتناول أمور الدين والدنيا، ولكنه لما قال: {فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} تبين به أن الشيء المتنازع فيه يختص بأمور الدين دون أمور الدنيا، والردّ إلى الله: هو الردّ إلى كتابه العزيز، والردّ إلى الرسول: هو الردّ إلى سنته المطهرة بعد موته، وأما في حياته، فالردّ إليه سؤاله، هذا معنى الردّ إليهما. وقيل: معنى الردّ أن يقولوا: الله أعلم، وهو قول ساقط، وتفسير بارد، وليس الردّ في هذه الآية إلا الرد المذكور في قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
قوله: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} فيه دليل على أن هذا الرد متحتم على المتنازعين، وإنه شأن من يؤمن بالله واليوم الآخر، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى الردّ المأمور به {خَيْرٌ} لكم {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} أي: مرجعاً، من الأول آل يؤول إلى كذا، أي: صار إليه؛ والمعنى: أن ذلك الردّ خير لكم، وأحسن مرجعاً ترجعون إليه. ويجوز أن يكون المعنى أن الردّ أحسن تأويلاً من تأويلكم الذي صرتم إليه عند التنازع.
وقد أخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن ابن عباس في قوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدّي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، وقصته معروفة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عطاء في الآية قال: طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة {وَأُوْلِى الأمر} قال: أولى الفقه، والعلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة، قال: {وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} هم: الأمراء، وفي لفظ هم: أمراء السرايا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والحكيم الترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن جابر بن عبد الله في قوله: {وَأُوْلِى الأمر مِنْكُمْ} قال: أهل العلم.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن شيبة، وابن جرير، عن أبي العالية نحوه أيضاً.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَئ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} قال: إلى كتاب الله، وسنة رسوله. ثم قرأ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83].
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ميمون بن مهران في الآية قال: الردّ إلى الله الردّ إلى كتابه، والردّ إلى رسوله ما دام حياً، فإذا قبض فإلى سنته.
وأخرج ابن جرير، عن قتادة، والسدي مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} يقول: ذلك أحسن ثواباً وخير عاقبة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} قال: وأحسن جزاءً.
وقد وردت أحاديث كثيرة في طاعة الأمراء ثابتة في الصحيحين وغيرهما، مقيدة بأن يكون ذلك في المعروف، وأنه لا طاعة في معصية الله.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9